تشير كارين آرمسترونج، فى كتابها «معارك في سبيل الإله، الأصولية في اليهودية والمسيحية والإسلام» وفي سياق رصدها بزوغ ظاهرة الأصولية في القرن العشرين - إلى موقف الأصولية من المبادئ الديمقراطية بالقول: إنه لم يكن لدى الأصوليين وقت للديمقراطية أو التعددية الحزبية، أو التسامح الديني أو الحفاظ على السلام أو الخطاب الحر، أو فصل الكنيسة عن الدولة.
وبحسبها أيضا، فإن الأصوليين المسيحيين قد قاوموا - لحقبة مديدة من الزمان - الاكتشافات العلمية الخاصة بعلوم الأحياء والفيزياء، وأصروا على أن كتاب «سفر التكوين» يبدو علميا في جميع تفاصيله ولا يحتاج إلى إضافات من أي نوع! وأنه في الوقت الذي كانت فيه غالبية البشرية تلقي بقيود وأصفاد الماضي، أظهر الأصوليون اليهود أن قانونهم المقدس - الذي مارسوه بصرامة وتشدد - هو القانون الدولي الوحيد القابل للتطبيق، وقد تبعهم في ذلك الأصوليون المسلمون في تحويلهم للقضية العربية - الإسرائيلية، من قضية دنيوية إلى قضية دينية خالصة! وتتابع آرمسترونغ، في سياق بحثها مجمل الأسباب التاريخية التي أدت إلى بروز ظاهرة الأصولية اليهودية، أن اليهود كانوا أول من أقبل على التطرف الديني، نظرا لأنهم عانوا أزمة عدم العدالة الاجتماعية، ووجدوا أن مدنية العصر الحديث هي السبب وراء اضطهادهم ومعاناتهم. أضف إلى ذلك أيضا، ما أصابهم من إحساس بالدونية على يد المجتمع المتمدين الذي يؤمن بالنصرانية الغربية في نهاية القرن الخامس عشر. وقد دفعهم كل ذلك إلى استخراج مخزونهم من الحيل البارعة والمبادئ الدينية والخرافات والأساطير التي تمنعهم من إعادة سلطة الدين في الحصول على حقوقهم المهضومة على يد الغرب المسيحي.
ونتيجة لذلك، استمر اليهود في إخراج وتدوير هذا المخزون لسنوات طويلة حتى أصبح فيما بعد حقيقة مقنعة للغرب إلى حد ما، مثلما تجلى في شكل ممارسات شائعة في العالم الحديث. وقد أدى كل ذلك في النهاية إلى تشكل هذا المنحى على هيئة اتجاهات متشددة تنحو نحو المزيد من التطرف الديني بغية إخضاع العقل لسيطرة الدين.