لقد سعدت بنيل شرف ترجمة كتاب "أعداء الحوار" لصاحبه سعادة السفير مايكل أنجلو ياكوبوتشي، صاحب الثقافة الموسوعية التي استقاها من أسفاره المتعددة التي جعلته شاهد عيان لبعض فصول اللا تسامح.
فما أعجبني في هذا الكتاب الذي بذلت في ترجمته من الجهد ما اضناني، أن مؤلفه يشخص بقوة وبعمق الأسباب الكامنة وراء تفشي موجة الاحقاد التي سادت العالم منذ القديم وصولاً إلي عصرنا الحالي، وعصرنا هو عصر المعايير المزدوجة، والكيل بالف كيل، ومنظمات دولية وأقليمية فقدت مصداقيتها، ومع اقترابي من نهاية ترجمة هذا الكتاب الثمين كان المدنيون العزل في غزة المحاصرة يقصفون بالقنابل الفسفورية المحرمة دولياً، وتحمل المجتمع الدولي بأسره عناء التسلي بالمشاهدة.
يأتي هذا الكتاب في وقت اختلطت فيه الأوراق، وتلاشي الخيط الدقيق بين الارهاب المجرم الذي يسفك دماء الأبرياء، والمقاومة المشروعة دفاعاً عن العقيدة، والهوية، والأرض، والوجود.
إن ما يضع كتاب ياكوبوتشي درة في عقد الكتب النفسية، هو تصديه لموضوع شائك بشجاعة يحسد عليها، مسلحاً بثقافة موسوعية مكنته من عرض أسباب اللاتسامح، وانحرافاته، في جميع الملل والنحل، عرضاً دقيقاً وموضوعياً، لا يقلل من شأنه النذر اليسير من المفاهيم غير الدقيقة عن الحركات المعتدلة والمقاومة الشرعية في العالم الاسلامي، لان ذلك ربما يعود في المقام الاول إلي ما استقاه المؤلف من مغالطات تروج في العالم الإسلامي- قبل الغرب- عن هذه الحركات.