إن البحث في المعايير المتعلقة بما ينبغي أن نفعله وألا نفعله يسمى "فلسفة الأخلاق". وهي إذ تحدد لنا كيف علينا أن نتصرف بوصفنا قوى فاعلة تتخذ لا محالة شكل علم معياري. ولا بدّ لفلسفة الأخلاق كذلك من أن تدرس ما يمكن أن نفعله لتلبية مطالب التزام، أو لنقل ذلك بطريقة أخرى: إنها معنية أساساً بالمسؤولية الإنسانية. وليست المسؤولية ببسيط العبارة نتيجة للحرية، بل العكس: فأن يكون المرء مسؤولاً عن الآخرين وعن نفسه هو الأساس لما ندعوه "الحرية" بالمعنى الأخلاقي.
ولعل أكبر تحديين تواجههما فلسفة الأخلاق اليوم هما المطلقية والنسبوية. وبالنسبة إلى الأولى، يرى أصحابها أن المعايير الأخلاقية لكي تكون صحيحة يجب أن تكون "مطلقة"، ومن ثم فإن قضاياها الأخلاقية صحيحة قطعياً وأبدياً ولا تسمح بإعادة النظر ولا تسوّغها. والمطلقية سبب النزاعات المأساوية والكارثية، وللحروب التدميرية لا للسلام. ومن أبرز أمثلتها الثقافة الإمبريالية والثقافة الأصولية. وتقوم الثقافة الإمبريالية على الإعتقاد بالتفوقية الأساسية لشعب على بقية الشعوب التي لا يمكن أن تصل في أية مرحلة تاريخية – ولم تصل من قبل – إلى حالة التفوق، وهذا ما يبيح السيطرة عليها وعلى ثرواتها. وهي أساساً أيدولوجية تبرر إخضاع الشعوب الأخرى واستغلالها بتعريفها من جانب واحد بأنها وثقافاتها بدائية أو همجية أو إرهابية وعليها واجب حمايتها أو تحريرها أو الإنعام عليها. وقد لاحظ جاك دريدا في الخطاب الرسمي للإمبريالية الأميركية، وعلى الرغم من الفصل المبدئي للدين عن الدولة، تمسكه الجوهري بالكتاب المقدس، في عبارات من قبيل "فليبارك الرب أمريكا" "وفاعلي الشر" و "محور الشر" و "العدالة المطلقة". إنها مثال على الكامن العنيف للثقافة في القصد والتطبيق على السواء. وفيه تؤدي الثقافة وظيفتها بوصفها النذير والأساس التصوري للحرب ولعنف الهيمنة الاستعمارية؛ وهي تؤدي وظيفتها في محاولة إخفاء أبسط أشكال الأنانية الجماعية وأقلها صقلاً. والكتاب الذين تهيمن عليهم هذه الروح كثيرون، وتمكن في ذلك العودة إلى إدوارد سعيد وكتابه عن "الثقافة والإمبريالية". وسيلاحظ القارىء كيف دعم مفكرون كثيرون، شعورياً ولا شعورياً، وبتحرر مدهش من الإحساس بالذنب، أهداف الإمبريالية الثقافية.