منذ أن حبرت اليد النووية المباركة رياض الصالحين .. سار مسار الضوء ، وحل في بيت كل مسلم ، حتى لا يكاد بيت يخلو منه ، وعم نفعه الخاص والعام ، وعقدت خناصر أولي الفضل على فضله ، وخدمها أعيان العلماء قديماً وحديثاً ، وأبانوا بعضاً من جودة سبكه وحسن ترتيبه ، وجميل تركيبه ، واصطفاء محتواه .
والإمام النووي رحمه الله رجل بارك الله له في وقته كما بارك في مؤلفاته ، فكانت جميع مؤلفاته مختوماً لها بطابع القبول ، فلذا كان الإقبال عليها عجيباً ، والانتفاع بها حاصلاً في كل مكان وزمان .
و« رياض الصالحين » كتاب ألفه الإمام النووي رحمه الله في الحديث الشريف ؛ نصحاً للأمة ، وتعاوناً على البر ، ودلالة على الخير ، وقد جمع فيه من الأحاديث الصحيحة ما يكون طريقاً لصاحبها إلى الجنة ، ومحصلاً لآدابه الظاهرة والباطنة ، وجامعاً للترغيب والترهيب ، وتهذيب الأخلاق ، وتطييب القلوب ، وصيانة الجوارح .
ومما زاد في إقبال الناس عليه ما اختطه المؤلف ورسمه لمنهجه في هذا الكتاب ، فقد التزم فيه ألا يذكر إلا حديثاً صحيحاً من السنة ، وأن يصدر الأبواب بآيات قرآنية كريمة ، وينبه إلى ما يحتاج إلى ضبط أو شرح معنى خفي .
وهذا الكتاب في هذه الأيام من الأهمية بمكان لأنه يحتوي على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي ترغب في الزهد ، وتحث على فعل الخيرات ، والاقتداء بسيد الكائنات ، والتحلي بأخلاق أولي النهى الموفقين ، والالتحاق بالرعيل الأول رضي الله عنهم أجمعين .
وإن دار المنهاج تتوق منذ زمن بعيد إلى التشرف بطباعة هذا السفر المبارك ، ولكنها لم تشأ أن تطبعه كيفما اتفق ، بل لا بد من طبعة فاخرة تليق بمقام هذا الكتاب ومؤلفه .
ثم ولله الحمد أذن الله عز وجل فكانت هذه الطبعة الفاخرة التي تميزت وانفردت بأنها الطبعة الوحيدة التي اعتمدت مخطوطتين قوبلتا على نسخة أقرب تلامذة الإمام النووي رحمه الله إليه وكاتب فتاويه العلامة ابن العطار رحمه الله ، والتي قد قرأها على مؤلفها الإمام النووي ، إضافة إلى مخطوطات أخرى نفيسة ومليئة بالفوائد .
وإتماماً للفائدة اصطفت الدار حواشي وتعليقات مفيدة لا يستغنى عنها من شرح ابن علان الصديقي رحمه الله عليها ، مع إحالة نقولات الإمام النووي رحمه الله إلى مظانها من المصادر قدر الوسع .