الإنسان، وإن كان يساوق الكون في العبادة بفطرته فإنه ينبغي عليه أن يفوقه في العبادة منزلة، وأن يعلوه فيها درجات تتناسب وحقيقة الفرد، وتكوينه المتميز بالعقل والإدارة والاختيار والميول والنزعات والرغائب، وأن يكون لهذه العبادة الاختيارية نمطها الخاص الذي يواكب الفطرة.
إن العبادة حق الله علي عبادة، ما خلقهم الله إلا لها، لا يرضي عنهم إلا بها، وما زالوها، ومارسوا شعائرها في إخبات وخشوع، وفي تذلل وخضوع، وخوف منه، يشفعه الرجاء، وتضرع إليه بحدوه الأمل، وعرفاناً له بحقه عليهم ززاجبهم نحوه، مستبقين في حلبته، مسارعين إلي خيره.. إلا أبدلهم الله من الضيق فرجاً، ومن الشدة مخرجاً، ومن القلق اطمئناناً، ومن الخوف أمناً، ثم غفر زلتهم، وأقال عثرتهم، وقبل أوبتهم، ورحم ضعفهم، وجبر كسرهم،وأخلف لهم ما بذلوا، وضاعف لهم ما عملوا، ويسر لهم أسباب قبوله، وفتح لهم أبواب رضوانه، فجمع لهم أطراف الخير، وجعلهم في شرف قربه وجواره.
والحق، إن السلوك إلي رب العالمين هو الشامة الدائمة التي بها يقف الإنسان من ربه علي مكانته ، متفاعلا ماضياً في طريق الله الذي خطه له، وأرشده إليه، وهداه به.