يقول شابلن في تفسير اجتذابه ذلك القدر من العداء من جانب أميركيين كثيرين: "لقد كانت خطيئتي الكبرى ولا تزال أني غير امتثالي". وهو يعرف نفسه على الشكل التالي: "أنا ما أنا: فرد نسيج وحده ومختلف، خلفي كل ميراث الرغائب والحاجات السلفية، مع كل الأحلام والرغبات والتجارب الشخصية التي أنا محصلتها".
لقد شكل الرجل ظاهرة ملفتة للنظر إلى أبعد الحدود في مرحلة مهمة جداً من تطور المجتمع الأميركي بالذات، وذلك انطلاقاً من تجربته الخاصة ومعاناته الحميمة. وحين لاحقه القضاء الأميركي باتهامات كاذبة تتعلق بحياته الشخصية في أوائل الأربعينات، كان واضحاً أنه يجري بذلك تدفيعه ثمن أفكاره وخياراته الإنسانية. إلا أنه خرج من تلك المحاكمة منتصراً. والأهم من ذلك أنه شارك من موقعه كفنان عظيم في تحريك المياه الراكدة لمجتمع تغلب عليه، في المستوى السياسي، النزعة المحافظة. وهو ما يلمح إليه بالضبط حين يورد الكلام الذي قاله لاين فوشتفانجر، بعد ختام تلك المحاكمة مباشرة وصدور الحكم ببراءته مما نسب إليه: "أنت الفنان الدرامي الوحيد، الذي سيبقى في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، لأنه أثار التناقض السياسي لبلد بأكمله".
إن هذا "الفرد" الذي انطلق لعناق العالم بأسره من شوارع لندن الفقيرة، والقيعان المظلمة لطفولته البائسة، متقمصاً صورة المتشرد خفيف الظل، الذي ينكأ بسخريته الناعمة والمحببة قروح المجتمع والحياة، والذي استطاع كما يقولون أن يملأ الدنيا ويشغل الناس بطرافة فنه وعمق ملامسته للشخصية الإنسانية، والتزامه الدائم لقضايا الإنسان المعذب، كان بالتأكيد نسيج وحده. وهو لم يكن ممثلاً ومخرجاً وكاتباً سينمائياً فريداً وحسب، بل يمكن أن نضيف إلى ذلك أنه كاتب سيرة ذاتية بارع، وصاحب ريشة أدبية ملهمة، كما سنرى ونحن نقرأ هذا النص الجميل الطويل، "قصة حياتي"!